من التأتأة الى الطلاقة : استراتيجيات العلاج ودور المجتمع

ما هي التأتأة؟

التكرار أو إطالة الأصوات الكلامية بصورة غير إرادية، والتوقّف اللحظي أثناء نطق الكلمات بسبب التشنجات أو انقطاعات الصوت، الأمر الذي يَحُدُّ من تناغم الكلام.
و يعبَّر عن هذه الأشكال بـ “السلوكيات الأساسية في التأتأة”

إلا أنّ هناك نوع من السلوكيات تَنتُج كاستجابة للسلوكيات الأساسية في التأتأة وتسمى بـ “السلوكيات الثانوية في التأتأة” وأحد أهم أشكالها هو “سلوكيات الهروب”؛ ويندرج تحت هذا المسمى مجموعة من السلوكيات، منها:

  • اختيار المرادفات؛ يلجأ المصاب بالتأتأة إلى اختيار مرادفات للكلمات التي يخاف من نطقها خشية التأتأة فيها لإخفاء مشاعر القلق أو الإحباط أو الخجل.
  • رمش العينين بشكل متكرر وغير طبيعي.
  • الحركة اللاإرادية للأطراف.
  • هزّ الرأس.

تختلف درجات التأتأة تِبعاً للموقف الذي تحدث فيه؛ فتتفاقم التأتأة في لحظات القلق كالمواقف التي تستدعي الحديث أمام مجموعة كبيرة من الناس أو حتى الحديث عبر الهاتف و تتفاقم أيضاً عند اللحظات التي يشعر بها المصاب بالحماس أو الحَرَج إذا ما لفت أحدٌ انتباه الآخرين إلى طريقة كلامه.

هل كل شعور بعدم الطلاقة هو تأتأة؟

في الواقع، هناك نوع من التشابه بين حالات عدم الطلاقة الطبيعية والتأتأة، لذلك يجب التمييز بينهما:

عدم الطلاقة الطبيعية
يواجه البالغون في بعض الأحيان بعض اللحظات من عدم الطلاقة في الكلام، وقد تختلط على البعض أعراض عدم الطلاقة مع أعراض التأتأة؛ ولأن عدم الطلاقة أمر طبيعي، يجب التمييز بين أعراض كلا الحالتين:
أعراض عدم الطلاقة:

  • زيادة أصوات أو كلمات على شكل مداخلات؛ مثل:” أنا آآه سأذهب للعمل”.
  • تكرار كلمات كاملة؛ مثل:” جيد جيد، سأكلّمك لاحقاً”.
  • تكرار جمل قصيرة؛ مثل:” علمتُ بذلك علمتُ بذلك”.
  • تغيير أماكن الكلمات في الجملة؛ مثل:” أضعت لقد مفاتيحي”
  • عدم إكمال الحديث بشكل يقطع الفكرة؛ مثل:” كان يأكل .. نسيت”.

يواجه الأطفال أيضاً بشكل طبيعي لحظات من عدم الطلاقة خاصةً في أثناء تعلّمهم الكثير من الأصوات الكلامية والكلمات الجديدة، وقد تستمر هذه الحالة لمدّة لا تزيد عن ستة أشهر واستمرارها إلى مدة تزيد عن ذلك سيتطلّب التدخل الطبي، ومن أشكال عدم الطلاقة عند الأطفال:

  1. تكرار جزء من الكلمة، مثل:” أريد بـبـبـعض الحلوى”.
  2. تكرار بعض الكلمات القصيرة، مثل:”كتابي على على على الطاولة”.
  3. إطالة الأصوات، مثل:” سسسبقتك في اللعبة”.
  4. التوّقف للحظات أثناء نطق الجملة، مثل:” رأيت قطة ( توقُّف) في الشارع”.(2)

نسب انتشار التأتأة

تبدأ مشكلة التأتأة عند الأطفال في الغالب قبل عمر السادسة تحديداً في ما بين عمر العامين والنصف والرابعة والنصف ويمكن ملاحظة أن معظم المرضى يتم تشخيصهم في عمر الخامسة حسب إحصائيات نشرها المركز الوطني للمعلومات والتكنولوجيا الحيوية NCBI في عام 2017 بنسبة 0.89% للأطفال الذكور و 0.40% للأطفال الإناث. لكنّ التأتأة لا تقتصر على الأطفال فحسب؛ بل يتمّ ضم البالغين المصابين إلى هذه النسب لتصبح النسبة 0.102% بغض النظر عن الجنس أو العمر، مع ملاحظة النسبة الكبيرة لانتشار التأتأة بين الذكور مقارنةً بالإناث بحيث تبلغ نسبة الذكور المصابين 75% من إجمالي المصابين في حين تبلغ النسبة للإناث 25% فقط.

أسباب التأتأة

تعدُّ التأتأة من المشكلات متعددة الأسباب والعوامل، من هذه الأسباب:

  • الأسباب الوراثية؛ العديد من الأشخاص المصابين بالتأتأة لديهم شخص مصاب بالتأتأة في عائلاتهم.
  • اختلافات طريقة عمل الدماغ؛ أجل.. قد يكون المصاب بالتأتأة يمتلك اختلافات في طريقة عمل دماغه عن طرق الأشخاص الآخرين.
  • عوامل اللغة؛ استخدام الطفل لكلمات ذات تركيب معقد في بداية الجملة وخصيصاً في مرحلة تعلّمه للّغة قد يسبب التأتأة.

وليس هناك أي دلائل حتى الآن تشير إلى أنّ الأطفال الناطقين بلغات متعددة أكثر عرضة للإصابة بالتأتأة من الأطفال الناطقين بلغة واحدة.

و هناك بعض العوامل التي تزيد من احتمالية الإصابة بالتأتأة، منها:

  • الجنس؛ الذكور يشكلون النسبة الأكبر من المصابين بالتأتأة.((1))
  • العمر؛ الأطفال الذين بدؤوا بالتأتأة في عمر الثالثة والنصف يكونون أكثر عرضة للبقاء كذلك.)
  • تاريخ العائلة في العلاج؛ الأطفال الذين لديهم أهل مصابون بالتأتأة ولم يخضعوا للعلاج هم أيضاً أكثر عرضة للاستمرار على نفس الحال خلال حياتهم.

تشخيص التأتأة

يقوم أخصائي النطق واللغة في مركز هيومن تاتش بتحديد ما إذا كانت المشاكل في طلاقة الكلام  عند الأطفال في عمر مبكر ؛ هي عبارة عن حالة عدم طلاقة أم أنها أول مراحل التأتأة، مستعينين بالمعلومات التي يزوّدهم بها الأهل عن عمر وحالة الطفل الصحيّة وضمن استراتيجية محددة يتتبع فيها الأخصائي الأعراض الظاهرة على الطفل بالإضافة إلى تقييم السلوك وإجراء عدة تمارين يتم التمييز  بين حالات عدم الطلاقة والتأتأة.

- التشوّش Cluttering 

و هو نوع من أنواع عدم الطلاقة؛ حيث يكون المتحدّث غير قادراً على ضبط النظام الحركي للكلام أو قواعد اللّغة، ويظهر على شكل سرعة وعدم انتظام في الكلام،  أو عدم وضوح فيه، وهذه الأعراض غير نمطية في حالة التأتأة التطوريّة، بالرغم أنّ التأتأة التطوريّة والتشوّش يحدثان بشكل متزامن في الغالب إلّا أنّ كل منها يصنّف كاضطراب منفصل عن الآخر.

التأتأة العصبيّة Neurogenic Stuttering

أحد أنواع اضطرابات النطق المكتسبة التي تتمثّل بعدم طلاقة مشابه للتأتأة التطوريّة على نحو ما، وتكون تابعة لتلف الدماغ كأن يحدث مثلاً بعد حوادث الأوعية الدمويّة الدماغيّة Cerebrovascular Accident- CVA، أو بعد رضّات الدماغ، أو حالات انتكاسات الأعصاب.

غالباً ما يصيب هذا النوع من التأتأة البالغين، وقد يترافق مع اضطرابات أخرى، مثل: اضطراب عسر الكلام Dysarthria، واضطراب ضعف أو فقدان القدرة على الكلام Aphasia، لذلك من الضروري أن يأخذ المصاب بالحسبان عند زيارة مراكز النطق واللغة أن يزوّد الأخصائيين بالسجل المَرَضي الخاص به.

أحد أهم الأعراض المميزة للتأتأة المرتبطة بالأعصاب هو حدوثها في أي موضع في الكلمة بالإضافة إلى بدايات الأصوات ومقاطع الكلام.

التأتأة العصبيّة Neurogenic Stuttering

يعتبر هذا النوع نادراً ويحصل في الغالب عند التعرّض لإصابات، أو بعد مدة طويلة من الضغط المصاحب لاضطرابات نفسية، ويكون التاريخ المرضي مهماً جداً في هذه الحالة لاستبعاد تشخيص التأتأة العصبيّة Neurogenic stuttering.

التأتأة تحت تأثير الأدوية Pharmacogenic Stuttering 

من أحد الأعراض الجانبية لبعض الأدوية هو الإصابة بحالة من عدم الطلاقة لفترات محددة، لذلك من الضروري أن يوضح المصاب لأخصائي النطق واللغة ما إذا كان يتناول الأدوية في الوقت الحالي أم لا.

علاج التأتأة

يقوم فريق مركز هيومن تاتش مكوناً من أخصائيي النطق واللغة وأخصائيي تقويم السلوك الحاصلين  بتقييم وعلاج التأتأة عند كلا الفئتين ( البالغين والأطفال) من خلال جلسات العلاج عبر الإنترنت أو الجلسات المباشرة في المركز، إضافةً إلى المتابعة وتقديم النصائح والارشادات لأهالي الاطفال للتعامل مع حالات التآتآة عند أطفالهم.

علاج التأتأة عند البالغين

يتبّع أخصائي النطق واللغة منهجين رئيسيين في علاج البالغين المصابين بالتأتأة، هما:

  1. العلاج التقويمي للتأتأة Stuttering modification therapy:-
    يهدف هذا المنهج إلى تخفيف القلق؛ هنا يحرص الأخصائي على تعليم المصاب كيفية التعامل مع التأتأة بحيث يصبح قادراً على التأتأة بحرية دون أن يفكر في الأمر أو أن يقلق حياله.
  2. إعادة تشكيل الطلاقة Fluency shaping therapies
    يقوم هذا المنهج على تعليم المصاب أن يتحكّم بطلاقة النطق لديه، باستخدام تقنيات النطق؛ ومساعدته على تطبيق هذه التقنيات خلال المواقف الحياتية المختلفة.